بعد فتح أبوابها للسودانيين.. مصر البيت الكبير للنازحين العرب
بعد فتح أبوابها للسودانيين.. مصر البيت الكبير للنازحين العرب
ملحمة عظيمة يقيمها المصريون لأشقائهم السودانيين الفارين من الموت، رافعين شعار الأخوة والمحبة والترحاب.
ورغم سوء الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها أغلب الشعب المصري، وموجات الغلاء، إلا أن أبناء المحروسة برهنوا من جديد على أنهم شعب "مضياف"، يقدم الخير بلا شرط ودون انتظار مقابل، من خلال دعوات أطلقوها لفتح المنازل واستقبال السودانيين، وهو ما فعلوه سابقًا مع "السوريين واليمنيين والعراقيين والليبيين"، لتكون بذلك بمثابة "البيت الكبير" للاجئين العرب.
ورغم محاولات غرس الفتنة في النفوس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه حين اشتدت الأزمة ودقت طبول الحرب في شوارع الخرطوم أو أم درمان وغيرهما من المحافظات السودانية، كان الدعم اللامحدود هو الواجب الذي لم يتردد أبناء النيل عن الالتزام به تجاه السودان وشعبه.
فبعد انتشار وسم إلغاء تأشيرة دخول السودانيين لمصر، وفتح معابر أرقين وقسطل على الحدود بين مصر والسودان، انتشرت دعوات الترحيب بالنازحين من السودان إلى جميع محافظات مصر وخاصة أسوان، حيث إنها ستكون مدينة المرور الأول لهم، على الفور وفّر أهالي أسوان بيوتا مجهزة لاستقبال العائلات من السودانيين، وكذلك فتحت بعض جمعيات تنمية المجتمع، بيوت استضافة للشباب النازح من الخرطوم.
وقال القائم بأعمال السفير السوداني في السعودية، مهند عمر عباس، إن مصر فتحت أبوابها لأشقائها السودانيين كما تفعل دائمًا، ولا يطلقون عليهم في مصر نازحين بل يقولون لهم مرحبًا بالأشقاء السودانيين، مؤكدًا أن مصر دولة لها مكانة خاصة بالنسبة للسودان.
من جهة أخرى، نادى البعض بتفعيل اتفاقية الحريات الأربع، التي أبرمها الجانب المصري مع نظيره السوداني في عام 2004، ونصت على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، ويمنح الاتفاق المواطنين المصريين والسودانيين حق الانتقال إلى البلد الآخر والإقامة والعمل به وشراء العقارات والأراضي وتملكها.
ويقدر عدد المتواجدين منهم في مصر بحسب مفوضية اللاجئين بحوالي 5 ملايين سوداني، من بينهم 250 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلون رسميا، وهو العدد الأكبر من إجمالي 9 ملايين لاجئ تستضيفهم مصر، بحسب تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن أوضاع اللاجئين السودانيين في مصر.
السوشيال ميديا تنتفض
في حفاوة لا يقدمها إلا كريم، انتفض أهل مصر على قلب رجل واحد لنصرة إخوانهم السودانيين على أرض الواقع وعلى صفحات السوشيال ميديا معلنين عن توافر أماكن لاستضافة الأسر السودانية.
وفي تدوينة له على “فيسبوك”، كتب الصحفي علي جمال ترك: "وفقا للتاريخ والإنسانية أهلا وسهلا بأهلنا في السودان وسط أهلهم وناسهم، إحنا أصلا شعب واحد وأرض واحدة، وفقا للقانون الدولي هناك اتفاقية الحريات الأربع بين مصر والسودان التي تكفل حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك أهلا بأشقائنا السودانيين في أي وقت وأي مكان".
ودوَّن المصري سلمان إسماعيل: "بيتي في الدقي، وبيتي في أسيوط، مفتوحين لأي أسرة أو إخوة من السودان الشقيق، لحد ما تنتهي المحنة.. والله لو لم يبقَ لنا سوى الخبز اليابس، فإننا سوف نتقاسمه مع إخوتنا السودانيين اللي ليهم مكان مخصوص في القلب وجوه نن العين.. ليس تفضلًا ولا منة، ولكنه قدر مصر الأزلي، أن تكون بيت من لا بيت له، وحضنا يسع الكل، وأمانا للخائفين.. وفوق كل ده، إننا شعب واحد أمنا الأرض وأبونا النيل، وكما تغنى الراحل سيد درويش: يا مصيبة وجاني من بدري زي الصاروخ في ودانـي ما فيش حاجة اسمه مصـري ولا حاجة اسمه سودانـي بحر النيل راسه في ناحية رجليه في الناحية التاني فوقاني يروحوا في داهية إذا كان سيبو التحتاني #السودان #ادخلوها_آمنين".
وسطر محمود محمد على صفحته: "بعض الناس قلقانة من قلة الرزق وارتفاع أسعار الخدمات، بسبب توافد النازحين من السودانيين في الأيام القادمة، لكن الله معنا جميعا، ولا أحد يعلم ما يخبئه الغيب لنا جميعا".
وكتب أيمن عطية: "أهلًا بكم يا أهل أسوان، وإذا كانت آليات التنظيم تقتضي التأشيرة فإن قلوبنا وبيوتنا مفتوحة والتأشيرة هي حبنا لكم، شخصيًا مستعد لاستضافة 3 أسر في محافظة الشرقية".
قرية نوبية أصيلة
استقبلت قرية وادي كركر النوبية، السودانيين القادمين من معبر أرقين الحدودي، وسط محاولات الأهالي لتخفيف معاناة الأشقاء مع الحرب الدائرة داخل أراضيهم وعناء السفر الشاق وأهوال الطريق.
وتقع قرية وادي كركر النوبية، جنوبي مصر، على طريق "أسوان- أبو سمبل" السياحي، ويمر من خلالها السودانيون في طريقهم إلى محافظة أسوان، حيث يتم اللجوء إلى موقف الحافلات الشهير هناك للانتقال إلى المناطق المختلفة، وسبق وأن اشتهرت بالعديد من المواقف المشابهة مع أبناء السودان.
ويقول عمر جمعة أحد أبناء القرية في تصريحات لوسائل الإعلام: "تجمعنا علاقات طيبة للغاية بالأشقاء السودانيين، نعتبر أنفسنا عائلة واحدة، ولا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي أثناء حاجتهم للمساندة، لذلك اجتمع أهالي وادي كركر على ضرورة تقديم يد العون إليهم فور علمنا بفتح السلطات لمعبر أرقين على الحدود المصرية السودانية.
ويضيف: "توافد على القرية المئات من أبناء السودان، وبدا على الجميع الإرهاق الشديد، لم نتردد لحظة في فتح أبواب منازلنا للترحيب بهم، قمنا بتجهيز عدد من البيوت المغلقة حتى يتسنى لهم المبيت والحصول على قدر كافٍ من الراحة قبل استكمال رحلتهم".
تسهيل عبور النازحين
صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد أبوزيد، بأن الجهود المصرية لتسهيل عبور النازحين من الأراضي السودانية خلال الأيام القليلة الماضية أسفرت عن النجاح في تسهيل عبور أكثر من 16000 مواطن من غير المصريين إلى داخل مصر.
وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية، في بيان صحفي، أن أعداد العابرين من الأشقاء السودانيين تجاوزت أكثر من 14 ألف مواطن، كما بلغ عدد العابرين إلى مصر ما يزيد على 2000 مواطن أجنبي من 50 دولة و6 منظمات دولية.
وتستمر الجهود المصرية على مدار الساعة في تسهيل استقبال المواطنين الفارين من الاشتباكات العسكرية في السودان، والعمل على تخفيف معاناتهم الناجمة عنها وتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة لهم.
السفير أحمد أبوزيد
السودان أمن قومي مصري
وقال رئيس المنظمة المتحدة الوطنية لحقوق الإنسان وعضو استشاري بالأمم المتحدة، محمد عبدالنعيم، إن مصر والسودان في الأصل دولة واحدة ولهما تاريخ مشترك كبير، تجمعهما الاتفاقيات الأربعة التي تنظم حق السكن والتنقل وغيرها، وتطبق مصر حاليًا هذه الاتفاقية وتفتح حدودها لأبناء السودان، وكذلك يحتضن شعب مصر إخوته من أبناء السودان، وما نراه من تراشق البعض بالكلمات ضد مصر، فجميعنا يعلم أن هؤلاء يحركهم أفراد تابعون للإخوان المسلمين وبقايا نظام عمر البشير، وعلى الصعيد الدولي فمصر فتحت معابرها للشعب السودان، ويعيش نحو 5 ملايين سوداني بأريحية في مصر.
محمد عبد النعيم
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، فتح جنوب مصر ذراعيه للأسر النازحة وهناك ترحاب مصري بهم، ولدينا مشاريع مشتركة بين مصر والسودان وتعتبر أمنا قوميا مصريا، حيث تعد الخط الدفاعي المصري من الحدود الجنوبية، واستقرار البلدين يعتمد أحدهما على الآخر، وهناك صراع من بعض دول الغرب على ثروات السودان، ومصر تدرك الأمر وتتعامل باحترافية، ولذا تعتبرها مصر خطا أحمر ولن تسمح بضياعه.
مصر في خطر
وعلق أستاذ القانون مصطفى السعداوي بقوله، من ناحية القانون الدولي، فقد تطورت مفاهيم المصطلحات المستخدمة به، ومنها مثلا ما يخص مصطلح "اللاجئ السياسي والبيئي"، وما حدث في السودان يُشكل خطرًا على مصر أولًا ولم يُطهر الثوب السوداني بعد من إقليم دارفور، وما زال البشير مطالبا بقرار المدعي العام للمحكمة الدولية بمثوله أمام المحكمة، لارتكابه جرائم حرب وضد الإنسانية بسبب دارفور، وحاليًا يعد استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين جرائم ضد الإنسانية.
مصطفى السعداوي
وتابع أستاذ القانون في تصريحاته لـ"جسور بوست"، هذه الأحداث وما أسفرت عنه من نزوح قد تجلب مخاطر إلى الأراضي المصرية، ويدعم ذلك أن وزارة الخارجية البريطانية أصدرت بيانًا قالت فيه إن الحرب تُشكل خطرا أوليا على مصر وليس على السودان فحسب، بسبب نزوح قوي متوقع، والشعب المصري مضياف استضاف من قبل العراقيين ثم السوريين واليمنيين والليبيين ومن قبلهم الكويتيين، ولكنَّ هناك فرقا بين الدبلوماسية الشعبية والرسمية.